تكتسب فكرة الدفع النقدي المنتظم وغير المشروط لكل المواطنين شعبية متنامية. يبحث هذا المقال في أن مثل هذا الدخل من شأنه أن يضمن لكل فرد تأمين حاجاته الأساسية بدون أي شروط, وبالتالي تزيد من صمود الأفراد وترسيخ المجتمع, مما يجعل الدخل الأساسي يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي في العالم العربي من حيث محافظة الحكومات على كرامة الفرد فيها ومنحه الأمن الاقتصادي كحق مكتسب.

حظيت الأداة السياسية المسماة بالدخل الأساسي – وهي دفوعات نقدية منتظمة للأفراد وغير مشروطة وموزعة على الجميع – على اهتمام كبير على مستوى العالم لما لها من قدرة على التقليل من الفوارق الأجتماعية والإقتصادية Standing 2020) (والتي بدت بوضوح من خلال جائحة كوفيد – 19 (Wignaraja and Horvath, 2020) حيث كان هناك أكثر من عشرين مشروعا تجريبيا للدخل الأساسي موزعة في جميع أنحاء العالم, وقد نجم عن بعضها تحول مجتمعي كما في الهند (Davala et al, 2015 ) وناميبيا ( Haarmann et al, 2009).

لنتأمل ماذا يعني الدخل الأساسي لمواطني مصر والعراق ولبنان والمغرب وسوريا وباقي العالم العربي. من شأن البدل النقدي الشهري غير المشروط أن يضمن الأمن الاقتصادي الأساسي للمستفيدين. إن القدرة على التوقع بالدخل الثابت, من شأنه تقليل مستوى التوتر لدى الأفراد في سعيهم لتلبية إحتياجاتهم وهذا من شأنه توسيع أفق التفكير الخلاق للمواطن وأخذه إلى حدود تتجاوز الإحتياجات الآنية.

من شأن منح الدخل الأساسي للمواطن كحق مكتسب وغير قابل للسحب، إعطاءه الشعور بالكرامة, فبدلا من أن يلتمس المواطن الأعذار لتبرير دخلا للرعاية, يعامل المواطن هنا كبالغ مستحق. مع تلبية الإحتياجات الأساسية للمواطن، ينطلق تفكيره في أنشطة إنتاجية أخرى يمكن له المشاركة فيها وينعكس هذا على مصلحة مجتمعه مما يتيح مستقبل أفضل ويزيد ذلك بالثقة بالآخرين مما يعزز إمكانات صمود أكثر شمولا.

يعتبر البعض الدخل الأساسي أداة سياسية مثيرة للجدل كونه يمنح مبالغ نقدية منتظمة بدون النظر إلى أي اعتبار للظروف السلوكية أو مستويات الدخل. لكن من الجدير بالذكر أن النظام الإقصادي الحالي يمنح مبالغ كبيرة مقابل “لاشئ”.

فكر في ميراث الثروة، والإعفاءات الضريبية الكبيرة للشركات الغنية والتهرب الضريبي من قبل شريحة الأغنياء والذين يستفيدون بصورة مجانية من الخدمات العامة (Standing, 2017) . إذا قبلنا هذه الأشكال من عمليات هدر الثروة العامة والإعفاءات مما لايمثل في الأساس أي منتج خاص ملموس ذو قيمة، فإن الدخل الأساسي قد يمثل شكلا من أشكال التعويض لهؤلاء الذين ليس بإمكانهم الإفادة من هذه الثروة المهدورة.

يرى البعض أن الدخل الأساسي من شأنه أن يشجع على الكسل والتقاعس وتعاطي الممنوعات، غير انه لم يتم ملاحظة هذا السلوك لدى إجراء التجارب على الدخل الأساسي أو حتى في الأشكال التقليدية الأخرى للمساعدات النقدية لدعم السياقات الإنسانية والإنمائية (Bastagli et al, 2016; Evans and Popova, 2014).

لقد أثبت الواقع، كما أوضحه نموذج الدخل الأساسي في الهند، أنه إن كان هناك من تغيير، فإن المستفيدين من الدعم النقدي غير المشروط إنما يعملون أكثر ويجلسون أقل, لأن لديهم وقت فراغ أقل. لقد نجم عن الدخل الأساسي المنتظم والمتوقع، جعل المستفيدين أكثر انخراطا في الأنشطة الإنتاجية، وبدء العمل لحسابهم وتنفيذ استثمارات صغيرة مثل شراء الماشية وآلات الخياطة.

أثبت الدخل الأساسي الذي تم منحه للجميع قي المجتمع الذي تم اختباره فيه، أنه يشجع الأفراد على إتخاذ القرارات المشتركة (Davala et al, 2017 ) وذلك نتيجة الشعور بالأمن والضمان المعيشي للفرد

السؤال الآن: كيف يمكن تمويل مشروع الدخل الأساسي؟

أحد الاقتراحات هو عن طريق صندوق برامج الدعم للمنظمات الدولية (Bashur, forthcoming).

يمثل الدخل الأساسي في البلدان الخارجة من الصراع أو الكوارث، إحد الفرص الرئيسية في إعادة هيكلة برامج بناء السلام. فمن شأن الدخل الأساسي أن يضمن وصول بعض الأموال إلى الفئات التي تستثنى عادة من الأموال المخصصة لإعادة الإعمار والتي يقوم بتنفيذها غالبا القطاع الخاص كما حدث في لبنان والعراق (Abboud, 2014). إن الفشل في معالجة سبل عيش وصمود الفئات الأكثر ضعفاً لن يؤدي إلا إلى ترسيخ عدم المساواة وتعميق التجزئة الاجتماعية.

شكل آخر ممكن لتمويل مشروع الدخل الأساسي هو بتقليل الدعم على منتجات الوقود الأحفوري (Standing, 2017) ، والتي تأخذ حيزا كبيرا من الإنفاق العام في دول الشرق الأوسط, وغالبا ما يستفيد من السلع المدعومة كالوقود والكهرباء هم شريحة كبار المستهلكين. نحى لبنان مؤخرا إلى الإتجاه الصحيح برفع الدعم، لكن هذا عليه أن يترافق بأن يتم توزيع الوفر الناجم عنه على الأفراد عن طريق الدخل الأساسي.

إلى جانب اعتبارات التمويل، ما هي العقبة الرئيسية أمام تنفيذ مشروع الدخل الأساسي؟

مسألة الثقة، هي في الأساس على المحك: يتردد صانعو السياسات في الوثوق بمنح الفقراء أموالا غير مشروطة خوفًا من تبديدها وإنفاقها على وجهات غير منتجة وإهدارها.

أثبتت التجارب دوما أن الفئات الفقيرة هي في الواقع أدرى اين تكمن أولوياتها وأين أفضل وجهات انفاقها. لذا, فإن دعم تطبيق الدخل الأساسي, سيكون بمثابة إختبار حقيقي للكيانات التي تمول برامج المساعدة الضخمة بهدف تعزيز تنمية الدولة.

والأهم من هذا وذاك أن الدخل الأساسي سيجعل من الدولة الوطنية هي الداعمة لمواطنيها لاغية بذلك بصمات الدول المانحة وسفاراتهم وما ينجم عن ذلك من التدخل في الشؤون الداخلية للبلد.

إن أقوى داعمي الحكومات هم مواطنوها– طالما أنهم يعاملوا باحترام وكراماتهم مصانة – وهم يشكلون البديل الأمثل عن رؤوس الأموال الأجنبية.

على أساس هذا العقد الاجتماعي تعمل الدول, لكن يبدو أن حكومات الشرق الأوسط تهرب بطريقة ما من العمل على هذه الأساس, مما يجعل تطبيق الدخل الأساسي حافزا في إصلاح هذا العقد الاجتماعي المعطوب.

باختصار

أدى الدخل الأساسي المنتظم للأفراد إلى جعلهم أكثر إنخراطا في الأنشطة الإنتاجية, والمباشرة في العمل لحسابهم الخاص, وتنفيذ إستثمارات إنتاجية صغيرة مثل تربية الماشية وشراء آلات الخياطة.

يتيح الدخل الأساسي في البلدان الخارجة من الصراع, إحدى الفرص الرئيسية في إعادة هيكلة برامج بناء السلام, مما يضمن وصول أموال إعادة الإعمارالى الأفراد الذين غالبا مايكونوا في أمس الحاجة إلى الدخل في أوضاع مابعد الصراع الصعبة.

يحجم صناع السياسة بصورة عامة عن تقديم أموالا غير مشروطة للفقراء لكونهم لا يثقون بهم، لكن واقع الأمر يختلف، و قد ثبت أن الفقراء هم الأكثر معرفة أين تكمن أولوياتهم، و ينفقوا بالتالي القليل مما لديهم حسب تلك الاولويات.

Title: What would a basic income mean for the Arab world?

Original article in BIEN

Original article at source